حظي کتاب المؤرخ المغربي عبد الأحد السبتي الموسوم بـ: من عام الفيل إلى عام الماريکان: الذاکرة الشفوية والتدوين التاريخي باهتمام غير مسبوق وبلقاءات تعريفية کثيرة في عدد من المعاهد والجامعات المغربية، وهو حقيق بهذه العناية المميزة لما فيه من إحکام في التبويب والتفريع، وجدة في التناول، وعمق في التحليل ودقة في التعليل وصرامة علمية. ويشتمل الکتاب موضوع هذا الإخبار، على قراءات تعريفية ودراسات علمية حول الکتاب المذکور، ينتمي أصحابها (وعددهم هو 15) إلى حقول معرفية متنوعة منها التاريخ والأدب والسوسيولوجيا والأنثروبولوجيا. استهواهم کلهم موضوع الکتاب وجودة مضامينه، وتملُّک مؤلِّفه لطرائق مَهَارية في بناء المعرفة التاريخية، وانفتاحه على المناهج الحديثة، والعلوم الإنسانية مثل اللسانيات والسيميائيات والأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا وعلم الاقتصاد والعلوم السياسية، ونجاحه في کسر الحواجز بين مختلف تخصصات العلوم الإنسانية، وتمرده على المنطق المعهود في عملية التحقيب، وتجديده للأسلوب العتيق في الکتابة التاريخية، من خلال ترکيزه على التفسير والتأويل بدل الوصف، واهتمامه بالبنيات عوض الأحداث، وتعامله مع طريقة سرد الوقائع والمحکيات على أساس أنها من صنع راويها وليست حقيقة قطعية تستمد مشروعيتها مما جرى في الواقع.
وتکشف الأوراق المقدمة في هذا المجموع عن تنوع بيِّن في التفاعل مع کتاب السبتي والتماهي مع قضاياه، إلا أن مضامينها لا تنفصل بطريقة إجمالية عن المرتکزات الثلاثة التي بُني عليها هذا الکتاب، وجعل منها مؤلِّفه بوصلة لسيره الحثيث داخل متاهة المحکيات على حد تعبيره، وأبى إلا أن يضعها عنوانا لخاتمته إمعانا في التشديد على أهميتها وهي الذاکرة والحدث والزمن.