تقديم
يضم هذا الكتاب بين دفتيه مجموع الأبحاث والدراسات التي شكلت مواضيع لقاءات علمية نظمتها شعبة التاريخ بتنسيق مع المجموعة المغاربية للدراسات التاريخية والحضارات المقارنة، احتضنتها رحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس خلال الموسمين الجامعيين 2016/2018. وهي أبحاث تنوعت حلقاتها بين دروب أو مدارات بحثية يعرف أصحابها بمسارهم العلمي واهتماماتهم البحثية الراهنة، وبين محاضرات ألقاها أساتذة ضيوف في مواضيع ذات الصلة بمجال اشتغالهم العلمي، وقراءات تقديمية لكتب عالجت قضايا محددة من تاريخ المغرب.
ويعد هذا المصنف ثمرة تعاون وتجسيد لأدبيات التحفيز والتشارك والإنصات، استند إلى رؤية واضحة وبرنامج علمي طموح لتفعيلها، يستحضر الصيغ التنظيمية الملائمة، ويحدد الأهداف العلمية والتربوية المنشودة. فجاءت الحصيلة مرضية ومحفزة على مبادرات مستقبلية من شأنها أن تساهم في إغناء التراكم الكمي والكيفي للإنتاج التاريخي الأكاديمي.
ويأتي في مقدمة تلك الأهداف، التعريف بالانشغالات العلمية والجهود البحثية المبذولة من قبل ثلة من المؤرخين الشباب كلهم خريجي شعبة التاريخ بهذه الكلية، وتوفير فرص التواصل واللقاء، وتوسيع مجال الحوار وتبادل الآراء والخبرات في ميدان البحث التاريخي، والسعي للدفع به إلى ما هو أسمى ويتلاءم والمقتضيات العلمية الأكاديمية المتعارف عليها. فجاء الكتاب مرآة تعكس هذه الانشغالات والجهود العلمية، وتستشرف آفاق رحبة وواعدة لمشاريع بحثية مستقبلية، وتكشف عن حضور وهاج ووازن لأصحابها.
ويتأسس الهدف الثاني على قناعة بضرورة تنويع وتجويد العرض البيداغوجي الجامعي، مما يساهم في تطوير وتعميق معارف الطلبة خارج ما يتلقونه في المدرجات، وينمي لديهم المعرفة التاريخية، ويحفزهم على التسلح بإرادة العمل الدؤوب وتعزيز الثقة والطموح في تحدي الصعاب والارتقاء إلى أحسن الدرجات العلمية.
ولعل ما يبعث على الارتياح، ما كان لهذه الحلقات العلمية من صدى عميق وتأثير طيب لدى جمهور عريض من الطلبة والباحثين، إذ جرى كل لقاء في جو من الشغف المعرفي، أعقبته مناقشات وتساؤلات تنم عن رغبة أكيدة لطلبتنا في المزيد من التمكين والتحصيل المعرفيين إن هم حظوا بمرافقة دؤوبة وبتوجيهات وتشجيعات أساتذة لا يكتفون بأضعف الإيمان في أداء مهامهم التربوية والعلمية.
وأخيرا، يحق اعتبار هذا المصنف، وتحديدا المحور الخاص بالمسارات العلمية بمثابة وقفة تأمل ومساءلة تنضاف إلى وقفات معدودة، تبدو الحاجة ماسة إلى مثيلاتها بين الحين والآخر، تعتمد آلية نقدية بإحكام وروية نظر بغية الوقوف على المزايا والمكتسبات. وبالمثل ترصد مواطن النقص والخلل بما يسهم في تطوير البحث التاريخي ببلادنا. وإذا كنا نقر أن هذا التقديم لا ينطوي على أي حكم قيمي أو تقويم، وإنما نترك الأمر موكولا للقراء المهتمين والمتخصصين، فإنه لا يفوتنا الجزم بأن الأبحاث المقدمة هي بحق مساهمات علمية رصينة، تلقي وفق رؤية تركيبة أضواءً كاشفة، وإفادات نوعية على جوانب من التاريخ الاقتصادي والاجتماعي والفكري والذهني لبلاد المغرب والأندلس خلال العصر الوسيط بصرف النظر عن المحدودية الإجرائية لمثل هذا التوصيف التحقيبي.
ولا يفوتنا أن نتقدم بالشكر الجزيل للسيد العميد أحمد المحمودي ونائبه المكلف البحث العلمي والتعاون السيد عمرو إيديل لما قدماه لنا من مساعدة في تنظيم هذه اللقاءات العلمية ومواكبتهما لها وحرصهما على نشر أعمالها ضمن منشورات الكلية.
مكناس في 28 يناير 2019
ميمون أزيزا
جمال حيمر
عبد الحق الطاهري
فهرس المحتويات
الملف الأول: مسارات
حفريات في تاريخ الغرب الإسلامي: المفاهيم والمصادر والقضايا
موافقات بحثية في تاريخ الغرب الإسلامي: نسقية المعرفة والمنهج
مسارات في تاريخ المغرب والأندلس (جدلية البنى والتفاعلات)
أبحاث في المجتمع والدولة والعنف بالمغرب الأقصى أواخر “العصر الوسيط”
العـائلة، القبيلة والمجتمع في تـاريخ المـغرب: حفريات في تاريخ الهـامش
مقاربات في التاريخ المعماري
التاريخ الاجتماعي لمغرب أواخر « العصر الوسيط »: مسار تجربة في البحث التاريخي
الملف الثاني: دراسات ومقالات
الأمن الغذائي مدخل استراتيجي للأمن السياسي: الدول الوسيطية نموذجا.
دور انفتاح الريف على البحر المتوسط في انتقال الأوبئة خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين
الاستعمار الهامشي: الحماية الإسبانية بشمال المغرب 1912-1956
العلم والسياسة عند محمد بن الأعرج السليماني وماكس فيبر: محاولة مقارنة
التومرتية: أصولها ومبادؤها
الذاكرة وكتابة التاريخ في المغرب
قبائل بني يزناسن في مواجهة التدخل الفرنسي: معركة إسلي14 غشت 1844 أنموذجا
الملف الثالث: قراءات
كتاب الدولة الموحدية: أسس الشرعية والمشروع السياسي لمؤلفه عبد الحق الطاهري
الكتابات التاريخية الأنجلوسكسونية والاستعمار الفرنسي للمغرب. قراءة في كتاب:
Constructing Morocco: the colonial struggle to define the nation (1912-1956)
كتاب البعثات التعليمية في عهد السلطان المولى الحسن لمؤلّفه جمال حيمر نموذج في الكتابة التاريخية حول موضوع الإصلاح وتجلياته في مغرب القرن القرن التاسع عشر.