Désolé, cet article est seulement disponible en العربية.
Vous êtes ici: Accueil / (العربية) المؤرخ الفرنسي برنار روزنبرجي: مسار في حوار، إنجاز عثمان المنصوري – الصيغة العربية – (الجزء الثالث والأخير)
Désolé, cet article est seulement disponible en العربية.
أشكر الأستاذ عثمان المنصوري على إنجاز هذا الحوار مع المؤرخ الفرنسي روزنبرجي، وعلى طريقته “الصحفية” الذكية للنبش في مسار هذا المؤرخ، وتطورات مشاريعه البحثية. وحسبي أن المقال/ الحوار، أتاح للقارئ المزيد من التعرف على هذه الشخصية، وعلى إنتاجاتها التاريخية. وأقرّ شخصيا أنه رغم التقائي بالمؤرخ المنوه به في المغرب والبرتغال، واطلاعي على بعض إنتاجاته، فإنني لم أتمكن من قطف كل هذه المعطيات التي جاد بها المقال الحواري.
وأحسب أن راصد الحوار في أجزائه الثلاثة يمكن أن يضع الأصبع على خمس ملاحظات أساسية:
1- إن المؤرخ روزنبرجي يمثل شخصية المؤرخ المستقل الذي خرج عن سرب المؤرخين والكتاب الأجانب الذين انطلق معظمهم من تنظيرات ملغومة، ومؤطرة في سياق أدبيات ومرجعيات المؤسسة الاستعمارية، وبنزعة مركزية متعالية في تأثيث الخطاب التاريخي، لذلك شكّلت إنتاجاته تمردا منهجيا على المألوف في الكتابات الاستعمارية، بل جاءت مفيدة للتاريخ المغربي، حيث فتحت أوراشا جديدة، واستنهضت مغامرة التفكير في قضايا التاريخ الاقتصادي والاجتماعي، وفي مجال التغذية على الخصوص.
2- يمثل روزنبرجي الباحث الذي يملك مشروعا ثقافيا حياتيا يتسم بالدينامية والاستمرارية، ويتماهى مع حصاد سنوات عمر بأكمله، مشروعا لا يعرف الانقطاع أو تحجزه شهوة المناصب الإدارية، بدأه منذ أن كان مدرسا في التعليم الثانوي، واستمر في التعليم الجامعي، ولا يزال ينجزه بإصرار رغم بلوغه من العمر عتيّا، وهو ما يتضح من تصريحه بأنه بدأ يفكر- بعد إجراء الحوار- في كتابة تاريخ بيئة المغرب، انطلاقا من الأبحاث التي أنجزها حول المناجم والكوارث والطبيعية والتغذية والمجاعات.
3- مما يشدك في شخصية روزنبرجي- من خلال هذا الحوار- أنه يؤمن بالجهد الفردي رغم كونه يعيش في بيئة أوروبية تقوم بنياتها البحثية على المؤسسات، ولكن تصريحاته تثبت أن المؤسسات لا تحقق للباحث كل ما يطمح إليه، فلا بد من جهد فردي إضافي لتحقيق طموحات المؤرخ، إذ لا يفهم نفسية المؤرخ وطموحه إلا المؤرخ نفسه، وفي هذا الفهم والإدراك وتدعيمه بتعاون بيني ما يقود إلى نجاح المشروع.
4- لقد استطاع روزنبرجي أن يخترق الخطوط الحمراء للتحقيب الذي وضعته المدارس التاريخية التقليدية، فارتحل بقلمه ما بين التاريخ القديم والوسيط والحديث، دون أن يفقد ذرة من الصرامة العلمية، أو يتيه بين دروب القرون والأزمنة، وهو بذلك يوجه رسالة غير مباشرة إلى المؤرخين بتجاوز التحقيب العقيم، وإعادة النظر للتاريخ في مداره الحضاري الممتد، بدل تقطيعه لشرائح قد تخل أحيانا بمنظومته الكلية، وتسيئ إلى اختطاطه النسقي الشمولي.
5- مع تنويهنا بالمؤرخ روزنبرجي وما أسداه من خدمات علمية للتاريخ المغربي، فإننا نؤاخذه على ما ورد في حواره من أن الأساتذة المشارقة الذين أتوا للتدريس بالجامعة المغربية – بعد تعريب مادة التاريخ – كانوا على جهل بتاريخ المغرب. ويخيّل إلي أن هذا الحكم لا يخلو من تعسف وشطط في التعميم، إذ لو قرأ ما أنتجه بعض المشارقة في سبعينيات القرن الماضي حول تاريخ المغرب لتراجع عن حكمه. وبالمناسبة فلو كان روزنبرجي يعرف اللغة العربية لكان حجة لا ترد في تاريخ المغرب. لكن للأسف فإن عدم تمكّنه من هذه اللغة كما أقرّ بذلك في حواره، جعلته على مسافة ضوئية مما كتبه هؤلاء المشارقة، ناهيك عن عدم استفادته من الوثائق المغربية المكتوبة بالعربية، رغم استعانته أحيانا ببعض الباحثين المغاربة من أمثال حميد التريكي. بيد أن هذه الملاحظة الأخيرة لا تنقص من قيمته كمؤرخ ساهم بامتياز في رسم الخطوط الأولية للبحث التاريخي في مغرب ما بعد الاستقلال.
شكرا أسيدي ابراهيم على المتابعة، وعلى الملاحظات الوجيهة، وأود فقط أن أعقب علىالملاحظة الأخيرة، فروزنبرجي لم يعمم حكمه على الأساتذة المشارقة، ولكن على الارتجالية الظرفية التي دفعت المسؤولين آنذاك إلى استقدام أساتذة مشارقة من السودان ومصر بدون أن يكون لهم إلمام كاف بتاريخ المغرب ليدرسوا في استكمال الدروس، وقد كنت شاهدا على ذلك، وكان بعض الطلبة يتندرون على هؤلاء الأساتذة ويسألونهم عن مصطلحات مثل المخزن وبلاد السيبة وبعض الشخصيات التاريخية ويحرجونهم، ثم قاطع الجميع هؤلاء الأساتذة واضطرت إدارة كلية الآداب بالرباط أن تعيد بعض الأساتذة المغاربة، ومنهم الأستاذ بوطالب وجرمان عياش. أما بعد هذه السنة فقد استقبلت الجامعة المغربية أساتذة كبارا تخرج عليهم أساتذة أكفاء ومنهم الأستاذ ابراهيم القادري بوتشيش. هذا شيء وذاك شيء آخر. ملاحظة أخرى وهي النقص الذي عرفته أعمال روزنبرجي، الذي لا يعرف اللغة العربية، ولا يعتمد إلا لماما على المصادر العربية، فمنذ السبعينيات تخرج العديد من الباحثين المغاربة من الجامعات المغربية وأنجزوا الكثير من الأبحاث التي تعد بالمئات، ولا يدري روزنبرجي عنها شيئا، كما أن أعماله الكثيرة لم تصل إليهم. ولعل ذلك ما حذا بي إلى مطالبته بهذا الحوار، لتجديد الصلة بينه وبين الباحثين المغاربة والتعريف به لدى جلهم ممن ولدوا بعد ذلك التاريخ.