الجمعة , أكتوبر 17 2025
أحدث الإضافات
أنت هنا: الرئيسية / ذ. عثمان المنصوري، اقتراح للقراءة: السلطة والفقهاء والمجتمع في تاريخ المغرب: الائتلاف والاختلاف

ذ. عثمان المنصوري، اقتراح للقراءة: السلطة والفقهاء والمجتمع في تاريخ المغرب: الائتلاف والاختلاف

عنوان الكتاب الذي أقترحه عليكم للقراءة هو: السلطة والفقهاء والمجتمع في تاريخ المغرب: الائتلاف والاختلاف، وهو كتاب ضخم في 623 صفحة،  يتضمن أعمالا مهداة إلى الأستاذ أحمد عزاوي أستاذ التاريخ بكلية الآداب بالقنيطرة، بمناسبة تكريمه، وهو من تنسيق الأساتذة محمد الغرايب وعبد العزيز بل الفايدة، وعبد العزيز عينوز، من نفس الكلية، وصدر ضمن منشوراتها لسنة 2013.

قسم منسقو هذا العمل الجماعي الكتاب إلى عدة محاور، تحمل العناوين الآتية : الفقهاء والسلطة، والفقه والمال والسلطة، والولاية والصلاح، والتشوف إلى المهدوية، والحركات الاجتماعية، وقراءات ثم سلط مغايرة. توزعت عليها أزيد من ثلاثين مساهمة.

هذا النوع من الكتب، وعلى الرغم من حجمه الكبير، لا يستعصي على القراءة، لأنه كتب عديدة في كتاب واحد، ويمكن للقارئ أن يقرأ ما تيسر من المقالات، ويستعيد القراءة لمقالات أخرى، ما دامت المقالات مستقلة بنفسها. وبذلك يقرأه على جرعات. لكن تقديم فكرة وافية عن مضامينه ليست سهلة ، لنفس السبب، لأن التنوع الكبير للمساهمات والمقاربات، مع اختلاف الحقب التاريخية، لا ييسر مسؤولية عرض هذه المضامين، لذلك اخترت في هذا التعريف الموجز، تسليط الضوء على هذا المضمون بإطلالة سريعة لا تلتزم بالترتيب الذي وضعه المنسقون لمقالات الكتاب.

من أهم مميزات هذا الكتاب أنه يتوفر على مقالات مختارة بعناية ومترجمة من عدة لغات إلى العربية. وهو بذلك يقدم للقراء بالعربية مادة لم تكن في متناولهم، وقد بذل المترجمون جهدا كبيرا من أجل ذلك، لأن الترجمة لم تقتصر على مقال أو مقالين بل شملت خمسة عشر عنوانا، وهو ما يقارب نصف الكتاب بقليل ( 287 صفحة). كما أن الأسماء المختارة معروفة بتخصصها وتميز أعمالها، ولم يقتصر الأمر على مقال واحد، بل نجد مقالات متعددة لنفس الكاتب، لأن المنسقين ركزوا على المضامين وتكاملها، وليس على أصحاب المقالات، ومن ذلك مثلا ترجمة مقالات: السلاطين والأولياء والفقهاء، ومسألة السلطة، و أبو العباس السبتي بين الصلاح والانقباض عن السلطان، والصلحاء والسلطة بين الرفض والإغراء في المغرب الوسيط، للأستاذة حليمة فرحات. ومقالات: الولاية والسلطة في المغرب : مقاومة فاس للسعديين، و المهدوية وتبيان المقال فيما بين التصوف والشرف في المغرب من اتصال : المهدي المنقذ، و التشوف اليهودي في زمن المهدوية وثورة فاس سنة 869 ه / 1465م، وموت السلطان عبد الحق المريني للمؤرخة الإسبانية مرسيدس غارسيا أرينال. و إسلام البادية وإسلام المدينة، العامل الديني على عهد المرينيين، و مساهمة عامل إثني في ثورة اجتماعية وسيطية، دور رجال البلاط من اليهود في ظل المرينيين للمؤرخة ماريا شاتزميلر. ويمكن أن نشير بالذكر إلى بعض المقالات الأخرى مثل مقال: الصلاح والسلطة والمجتمع في تمكروت في القرنين 17 و 18، لعبد الله حمودي ، ومقال أنبياء من أجل الأمة : ذاكرة عهود ما قبل الإسلام ببلاد المغرب ، لجوسلين داخلية. ولم يقتصر الأمر على تاريخ المغرب بل قام المنسقون بترجمة مقالات تخص تونس: الصلاح والعلم والسلطة في القيروان الإسلامية لمحمد قرو، و مقال سيدي بومدين الغوت ولي تلمسان ل: ديرمينكَام. وتولى عملية الترجمة بالدرجة الأساس الأستاذان محمد الغرايب (13 من 15 مقال) وعبد العزيز بل الفايدة (سبعة مقالات) وشارك إلى جانبهما في الترجمة الأساتذة: محمد العرجوني وعبد الله حموتي وعبد العزيز عينوز و توفيق الله أفكينيش.

إن الأعمال المترجمة لوحدها تشكل كتابا مستقلا، زاخرا بالأهمية والفائدة، وإضافة لقراء اللغة العربية، لاسيما أن معظم الباحثين في حقل التاريخ يعتمدون على اللغة العربية في كتابتهم وقراءاتهم، بحكم أن تدريس التاريخ في الجامعة المغربية يتم بالعربية، ويركز معظم الباحثين في بحثهم على المراجع والدراسات المكتوبة بهذه اللغة. ولكن الترجمة ليست مقصودة في حد ذاتها، وإنما كانت مطية لإغناء الكتاب بأعمال مؤرخين رواد، هي بمثابة علامات بارزة في البحث في موضوع العلاقة بين السلطة والدين بممثليه من الفقهاء والصلحاء، في ارتباط مع الأدوار الاجتماعية والسياسية التي اضطلع بها هؤلاء.

سيطرت الحقبة الوسيطية على المساهمات التي ضمتها صفحات الكتاب، ولعل ذلك راجع إلى أن المحتفى به، الأستاذ أحمد عزاوي متخصص في هذه الحقبة، وتوزعت باقي المساهمات على الفترة الحديثة ثم القديمة والمعاصرة. وتعددت المواضيع المطروحة بشكل يصعب على التفصيل، لأن ذلك سيتطلب منا صفحات كثيرة لا تغني عن قراءة الكتاب، ويكفي أن نستعرض سريعا عناوين هذه المقالات ليكون القارئ فكرة عنها.

يقدم لنا محمد قرو، صورة عن مدينة القيروان ، ويستعرض من خلال بعض المصنفات كيف أن المدينة اكتست أهمية ثقافية ودينية وسياسية، مدللا على ذلك بما صدر من كتابات لعلمائها، واستقرار عدد من الصلحاء بها واستفادة السلطة السياسية من هذه الوضعية، ويوضح الحسن الغرايب ذلك التماهي بين السلطة الدينية والفكرية للفقهاء والسلطة السياسية التي مكنتهم من خلال مؤسسة القضاء من تدعيمها، وتدعيم المذهب الغالب، وذلك من خلال مثال إفريقية في عهد الأغالبة . وتحلل الأستاذة حليمة فرحات في مقالها الأول السلطة الروحية التي أضحت للصلحاء والتي نافست السلطة السياسية للسلاطين وفاقتها، وأصبحت مطلوبة لدعم نفوذهم، وكيف تنامت لتفرض نفسها حتى بعد وفاتهم. ثم تعود في مقال ثان لتقدم لنا بيوغرافيا عن شخصية أبي العباس السبتي، الذي اشتهر خصوصا بعد موته بكراماته وحمايته للضعفاء، بسبب تعلق العوام به وما راج عنه من أساطير تصعب من مهمة التأريخ لسيرته. ويحلل مصطفى نشاط الظروف والسياق الذي أدى إلى المجابهة بين الفقيه الشريف التلمساني والسلطان أبي عنان المريني والذي أدى إلى سجن الفقيه المذكور. ويتناول مقال مرسيديس كَارسيا أرينال موضوع مقاومة فاس للسعديين، وتشبثها بحكم الوطاسيين، من خلال تقديم مجموعة من التفاسير والقراءات في مصادر الفترة، بالتركيز على دور العلماء وخاصة منهم الونشريسي، في دعم المخزن الوطاسي. وتحلل حلينة فرحات في موضوع : الصلحاء والسلطة بين الرفض والإغراء في المغرب الوسيط، ما شاب علاقات الصلحاء والسلاطين من تجاذب، بين ميل الصلحاء إلى الحفاظ على مكانتهم الدينية، بعيدا عن أي ممالأة للسلطة، ورغبة هذه الأخيرة في استمالتهم وإغرائهم، والاستفادة من مباركتهم لها. وحاولت مايا شاتزميلر أن تفسر وصول المرينيين في مقالها عن إسلام البادية وإسلام المدينة، على أنه نتاج لتوظيف الدين ضد حكام المدن الذين تهاونوا في القيام بأمور الدين والدولة، في مقابل تمسك القبائل (المرينية) بالدين وحفاظهم عليه، مما خولهم حق المطالبة بالحكم لدرء الفساد الحاصل في المدن. ويقدم مصطفى بنعلة قراءات في وثائق سعدية حول موضوع شغل فقهاء سوس في الفترة السعدية، وهو استيلاء المخزن على ميراث النساء من أراضي المنطقة، وما نتج عنه من فتاوى وأحكام. ويحاول عثمان المنصوري أن يحلل بعضا من طبيعة العلاقة بين العلماء والسلطة، في الفترة السعدية، من خلال بعض المناسبات والأمثلة، وخاصة مواقف الصراع بين الونشريسي والزقاق والسلطان محمد الشيخ. وكما يتضح من عنوان مساهمة ابراهيم القادري بوتشيش، فهو يتناول دور الفقهاء في الرقابة المالية بمغرب العصر الوسيط من خلال توقفه عند رسالتين وجههما كل من ابن الفراء والطرطوشي إلى الأمير المرابطي يوسف بن تاشفين. وفي نفس السياق يتناول عبد الرحمان أمل موضوع الجباية في العهد المريني، وتأرجح السلاطين بين الوقوف عند حدود الجبايات الشرعية، أو التوسع في أنواع أخرى غير شرعية استجابة لحاجيات الدولة، مما يجعل الخيط رفيعا بين الإصلاح والشطط. ويتناول سعيد بنحمادة موضوع الخطاب الاصلاحي خلال العصر المريني بطريقة طريفة، حيث استعرض الخطاب الاصلاحي وتوقف عند كتاب الشهب اللامعة في السياسة النافعة لابن رضوان المالقي، وصاغ أفكاره ورتبها متوخيا تقديمها على شاكلة مذكرة دستورية عصرية بمصطلحات عصرية، تتناول شكل الدولة ووظائفها وواجباتها وحقوقها، والعلاقة بينها وبين الرعية. وتطرق سعيد لمليح إلى موضوع المدارس المرينية، ومواقف الفقهاء من هذا المشروع الذين واجهوه في البداية بمعارضة قوية. ويقدم عبد المالك ناصري صورة مفصلة عن التخطيط الحضري للمدن العواصم المغربية، وارتباطه بالشرع، وبمباركة الفقهاء، الذين يمثلهم القضاة والعلماء والمحتسبون، المؤسسون للتوجهات التي يسهر أصحاب الخطط على مراعاتها. وضمن محور الولاية والصلاح، نجد دراستين بيوغرافيتين مركزتين ومترجمتين لدرمنكَام السالف الذكر، خصصهما لولي تلمسان أبي مدين الغوث وولي مراكش، ضمن رجالاتها السبعة “سيدي بلعباس مول مراكش. تليهما دراسة للأستاذة الجزائرية دحماني سهام عن العائلة الصوفية تطرقت فيها إلى العائلة الصوفية في حياتها العادية بعيدا عن الهالة الدينية، وتتبعت الأسرة الصوفية في نواحيها المختلفة، من الزواج وتنظيم العلاقة بين أفرادها والطلاق وتربية الأولاد ومكانة العائلة في المجتمع، وعلاقاتها بالعائلات الأخرى والأدوار التي تضطلع بها.وبعد ذلك ترجم محمد العرجوني دراسة مستفيضة لعبد الله حمودي، خصصها لتمكَروت في القرنين 17 و 18، وتطرق لمختلف العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي سمحت للزاوية الناصرية بالنشأة والتطور، والاستفادة من إمكانيات المنطقة والتعامل مع السلطة. والتحكم في طرق التجارة وترسيخ علاقاتها بالقبائل والأسر الكبرى، مما جعلها تحتك بالمخزن في مناسبات كثيرة. وفي مقال ذاكرة عهود ما قبل الإسلام، يتجول بنا جوسلين داخلية في تاريخ المغرب الكبير قبل الإسلام، من خلال بعض الأساطير والموروثات الشفهية، التي راجت عن المنطقة قبل وصول الإسلام، وتأثرها بالمعتقدات الدينية المختلفة. وتستعرض الباحثة كارسيا أرينال  في مقالها عن المهدوية، مجموعة من الشخصيات السياسية والتاريخية التي ارتبط اسمها بالمهدوية بدءا بالمولى ادريس، مسلطة الضوء على الظرفيات التي سمحت لها بالظهور على المستوى الديني والسياسي.وتعود في مقال ثان إلى نفس الظاهرة عند اليهود في مقال بعنوان التشوف اليهودي زمن المهدوية، وتتتبع فكرة ترقب اليهود لنهاية العالم، وتشوفهم إلى المهدي اليهودي الملقب عندهم بالمشيح ، وتستعرض ذلك عبر تطور تاريخي، بناء على مصادر يهودية. وفي محور الحركات الاجتماعية، ترجم بل الفايدة مقالا عن الحركة الدوناتية، وهي حركة دينية نشأت في القرن الرابع الميلادي، و استمرت إلى حين تعرض البلاد للغزو الوندالي. والتي اختلط فيها الجانب الديني بالاجتماعي، واستقطبت لها الفلاحين على الخصوص في مواجهة ملاكي الأرض والدائنين في تماه مع حركة الدوارين الاجتماعية. ويتناول محمد البركة العلاقة بين الخاصة والسلطة والمجتمع، خلال العصر المرابطي، ويدقق في مفهوم الخاصة والدور الذي تلعبه داخل مكونات المركب الفاعل في حركة التاريخ، كوسيط بين طرفيه: السلطة والمجتمع، وقوة لتفعيلهما والتوازن بينهما. وبعده نجد مقالين في نفس الموضوع، أولهما تعود فيه الكاتبة كَارسيا أرينال بموضوع عن ثورة فاس وموت السلطان عبد الحق المريني، تستعرض فيه سياق هذه الثورة من خلال بعض المصادر المعاصرة، وما جاء عنها في المصادر المتأخرة ابتداء من ابن القاضي في القرن 16، إلى الناصري، وتعزز ذلك بما جاء في بعض المصادر اليهودية والمسيحية. أما المقال الثاني فهو لمحمد ياسر الهلالي عن نفس الثورة، وتناوله من خلال قراءة في أدوار الفقهاء ومواقفهم من هذه الثورة، عبر ثلاثة عناوين، أولها عن حيثيات الثورة وأدوار الفقهاء فيها، وثانيها عن مواقف الفقهاء منها، وثالثها مقارنة بين موقفي كل من زروق والقوري من الثورة. ويستعرض مقال مترجم لشاتزميلر أوضاع اليهود في العهد المريني وعلاقتهم بالمخزن، واستفادتهم أحيانا من هذه العلاقة، وتجرعهم أحيانا أخرى لنقمتها، وخاصة خلال الأزمات التي عصفت بالدولة وأدت أحيانا إلى مقتل السلاطين أنفسهم، كما سلف في المقالين السابقين.

تضمن الكتاب أيضا قراءات، واحدة لمحمد الحناوي عن كتاب محمد المغراوي : الموحدون وأزمات المجتمع، وهي القراءة التي سبق أن قدمت بالمكتبة الوطنية سنة 2008، عرض فيها لأهم ما تضمنه الكتاب من أفكار، وذيله ببعض الملاحظات، والثانية لمحمد فتحة، قدم فيها مخطوط بهجة الناظرين لابن عبد العظيم الزموري، الذي يدخل في صنف كتب المناقب، والمخصص لرباط الأمغاريين، وعرف بمضامينه، وبمؤلفه وسياقات التأليف، وضمنه بعض الملاحظات النقدية.وفي المحور الأخير بعنوان سلط مغايرة، مقالان، واحد لبوجمعة رويان، عن سلطة الطبيب، تطرق فيه المؤلف لتوجس المغاربة من الأطباء الفرنسيين والأجانب لارتباط حضورهم بجيش الاحتلال، ولعدم ثقتهم في العلاج، وكيف أن الطبيب استمد هيبته وسلطته من سلطة قوات الحماية، واستغل ذلك لفرض الوقاية والعلاج بالقوة. واستعرض محمد استيتو في مقاله الاعتبارات الحيوية والبيئية والصحية في اختطاط المدن المغربية الإسلامية انطلاقا من نموذج مدينة فاس.

هذا العرض السريع لمضامين الكتاب، لا يمكن أن يوفي الدراسات حقها، والغرض منه إبراز الشجرة التي تخفي الغابة، وتعطي فكرة عنها، وتشجع القارئ المتردد على الغوص في صفحاته. ومعلوم أن هذا النوع من الكتب التي تجتمع فيها مساهمات متنوعة، ليست صعبة على القراءة على الرغم من كبر حجمها، لأن كل مقال أو دراسة هما مستقلان بنفسهما، فيمكن أن يتوقف القارئ بعد نهاية أي مقال، أو يختار من المقالات ما يناسبه ويهمه، ويعود لمتابعة القراءة متى شاء، فكأننا – كما ذكرت في البداية- أما مجموعة من الكتب.

يوجد هذا الكتاب في كلية الآداب بالقنيطرة، وثمنه لا يتعدى تكلفته، وهو خمسون درهما.

 

2 تعليقان

  1. أحمد بلخيري

    نتمنى أن يعرض الكتاب بإحدى أنشطة الجمعية

  2. merzougui abdelhak

    السلام عليكم كيف احصل على الكتاب من فضلكم

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .