أقترح على زميلاتي وزملائي بالجمعية المغربية للبحث التاريخي  وعلى كل المولوعين بالقراءة كتاب “الموضات بروما ” لمؤلفه جون نوييل روبير (كتاب من 320 من الحجم المتوسط، صدرسنة 1988  ). وبما أنني شرعت في قراءته منذ فترة وجيزة فقط، أسارع فأشركهم في أن يتتبعوا معي بعض المعطيات التي التقطتها  من الفصل الأول  (ص.9-45)،وهوالمعنون ب : “الموضة والتاريخ”.فالتخصص يفرض نفسه ويشرعن لقراءتي.

     يذكر المؤلف بأن الموضة تولد وتتطور بفضل بعد الرجال الذين يجدون الرغبة ملحة ليتميزوا عن غيرهم بتجديد استعمال الأشياء.  في نفس الوقت  تحيا الموضة  لأنها ترتكز على  الرغبة المعدية  للتقليد ، وهي صفة لصيقة  بالعنصر البشري.بعبارة أخرى  ،من وجهة نظر التاريخ ، فالموضة وليدة الحضارة ، فهي التي ساهمت في  تطورها .

 من العسير  تحديد وسرد مختلف أوجه الموضة.والسؤال الهام  يتمثل  في معرفة كيف تظهر الموضة ؟ وما هي اسباب انبثاقها؟.

 خلال القرن الثاني قبل الميلاد ، انتشرت بروما الثقافة الاغريقية في المجالين الروحي والثقافي  ،بل أضحت مكونا من مكونات الحياة اليومية ، وانغرست التقاليد الاغريقية  بدورها لدرجة ان بعض المؤرخين  جعلونا نعتقد بان روما أضحت  مستعمرة ثقافيا  من لدن الاغريق،وكأن الحضارة الرومانية خالية  من القدرة على الابداع.ولكن الرومان خلال القرن الثاني ليسوا ببرابرة ولم يكتشفوا الحضارة الاغريقية للمرة الاولى بضربة حظ .لماذا هذا الاعجاب ؟وكيف ظهر كعصا سحرية؟

صلة روما ببلاد الإغريق قديمة ،ولكنها ازدادت تطورا وتشعبا بعد الحرب البونية الثانية . لم يعد التاجر  وكذلك الصانع بمثابة  الخيط الرابط بين الثقافتين ،بل شكل الجيش بدوره همزة الوصل  وأساسا بعد القادة الرومان الذين تشبعوا  بالفن وأيضا الأدب الإغريقيين حتى النخاع ،وأضحت  اللغة الإغريقية موضة العصر ،بل مقياسا للثراء  ،و هي كذلك الحد الفاصل بين شريحة النبلاء وشرائح الفقراء.حتى النساء الروميات أضحين نسخة في مظهرهن  وأحاسيسهن للنساء الإغريقيات لدرجة أن آلامهن   وهمهن وفرحتهن  وعواطفهن يعبرن عنها باللغة الإغريقية  . وبذلك خلق  الترف الإغريقي هوة حقيقية بين شرائح المجتمع الرومي وأفرز فئات حياتها ضنكى  وأخرى أرستقراطية  طموحة وعارفة بقيمتها وتعكس الموضة الهلينية رمزا لنجاحاتها وتميزها.