تتبع الأستاذ عبد اللطيف الشاذلي في هذه الدراسة القيمة أسماء الشهور الميلادية، وطريقة كتابتها وهو يقترح اعتماد طريقة موحدة لكتابتها، من الجمعية ومن المهتمين عموما. وبحكم طبيعة المقال التفاعلية، نرجو أن نتوصل من القراء عموما بتعقيباتهم وملاحظاتهم على هذا الاقتراح لإغنائه وتبنيه، وبالنسبة لمن لا يتقنون التعامل مع الحاسوب، ننبههم إلى أن المشاركة سهلة ومفتوحة للجميع، يكفي أن تنظر أسفل المقال فتجد عبارة أضف تعليق، وتحتها الاسم، فتكتب اسمك الحقيقي أو المستعار، وتحتها عنوانك البريدي الذي نحتفظ به، ويمكنك أن لا تكتب عنوانك البريدي، لأن مربعا يفتح لتكتب فيه تعليقك الذي نتوصل به، وننشره إن لم يكن به شيء مخل بشروط النشر المعروفة.
أسماء الشهور الميلادية
الأستاذ عبد اللطيف الشاذلي
كيف نكتب أسماء الشهور الميلادية؟
يبدو السؤال بسيطا والموضوع لا يستحق أن يثار. ولولا أن حديثا جرى بين جماعة من الزملاء، تبين من خلاله أن كل واحد منهم يكتب أسماء بعض الشهور الميلادية بطريقته الخاصة، لما أثرنا الموضوع. وما أثرناه إلا سعيا إلى الإعلام بأن قلة التنسيق ـ أو انعدامه ـ ينتج عنه تباين واختلاف في أمور شكلية، وقد يتجاوز الأمر الشكلي إلى ما هو أهم منه.
من المعلوم أن التقويم الذي نسميه بالميلادي، نسبة إلى ميلاد السيد المسيح، يعرف علميا بتقويم جوليان le calendrier julien نسبة إلى الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر Jules César والذي تم تغييره على يد البابا كريكوار الثالث عشر Grégoire XIII .
وقد اعتمد الرومان في تسمية الشهور على عدد من الاعتبارات الميثولوجية أحيانا والخاضعة لمنطق تقويمهم أحيانا أخرى، فشهر يناير مشتق من اسم الإله Janus ، بينما سموا الشهر الذي يليه febrarius من الفعل februare الذي يعني مصدره النقاء والصفاء.أما الشهر الثالث فهو من وضع مؤسس روما Romulus الذي جعل السنة من عشرة أشهر في كل واحد ثلاثون يوما، وجعل أولها شهر مارس نسبة إلى إله الحرب Mars . واستمر الوضع إلى عام 700 قبل الميلاد حيث تمت إضافة شهرين هما يناير ويبراير، وتم اعتبار يناير أول العام. أما شهر أبريل Avril فأصله من الفعلaperire الذي يعني فَتَح، علاقة بتفتح البراعم في فصل الربيع. وهناك اختلاف في أصل تسمية شهر ماي ، فالبعض ينسبه إلى الإلهة Maïa أو إلى الرجال المسنين les hommes agés . وينطبق نفس الأمر على أصل تسمية الذي يليه ،وهو إما مشتق من اسم الإلهة juno / junon زوجةJupiter أو من الرجال الشبان Juniores. الشهر السابع في التقويم الروماني الأصلي يحمل اسم quintilis أي الخامس اعتبارا لكون السنة تبدأ بشهر مارس. وفي عام 44 ق م قرر مارك أنطوان تكريم يوليوس قيصر Jules César فسمى الشهر الخامس Julius التي تحولت إلى juillet .
أما الشهر الذي يليه فكان اسمه في التقويم الروماني الأصلي sextilis أي السادس. ثم حمل اسم Augustus نسبة إلى الإمبراطور Auguste تقديرا لمنجزاته وانتصاراته.
أما باقي الشهور، فقد احترم فيها ترتيبها الأصلي ، فشهر septembre مشتق من سبعة باعتباره الشهر السابع بعد مارس ، وoctobre هو الثامن في نفس التقويم، و novembre هو التاسع في نفس التقويم ، بينما يحتل décembre الرتبة العاشرة في التقويم ذاته.
لم يستعمل قدماء المغاربة هذا التقويم إلا في حالات نادرة. ولم يلجأوا إلى استعماله إلا بعد اتصالهم ببعض الدول الأوروبية، خصوصا خلال القرن التاسع عشر، في إطار المعاملات التجارية، أو استجابة لمتطلبات المعاملات الدبلوماسية. ووجدوا أنفسهم مضطرين إلى استعمال التقويم الميلادي وأشهره، مثلما وجدوا أنفسهم مضطرين إلى استعمال عدد من المصطلحات المعبرة عن مسميات جديدة دخيلة مثل البنك والإطرة والتلغراف وما إلى ذلك من المصطلحات[1] . وقد تكلف بنقل المصطلحات والتعابير الأجنبية عدد من المترجمين الذين كانوا ـ بشكل عام ـ ملحقين بمفوضيات الدول الأجنبية الممثلة في طنجة، وخصوصا مفوضتي فرنسا وإسبانيا . كما تكلف بهذه المهمة بعض اليهود، مغاربة وغير مغاربة، وكذا بعض الجزائريين والشاميين. وكان مستوى معرفتهم باللغة العربية ضحلا محدودا، وتأثروا باللغة الأجنبية التي يتعاملون معها .
وفي الموضوع الذي نعالجه اليوم، نقل التراجمة أسماء الأشهر من اللغة الأجنبية التي يتعاملون بها وحاولوا نقل أصواتها أقرب ما تكون إليها . وهكذا ، إذا كانوا لم يجدوا صعوبة في ترجمة أسماء أشهر أكتوبر وأبريل ومارس .. فإن الذين أخذوا اسم الشهر الخامس من الإسبانية رسموه بشكل مايو اعتبارا لنطقه في اللغة المذكورة mayo والشهر السادس بشكل يونيو نقلا ل junio .وقس على ذلك أسماء يوليو julio وأغسطس agosto .
أما الذين نقلوا الأسماء / الأصوات عن اللغة الفرنسية فاستعملوا ماي مقابل mai ، واستعاض الآخذون عن المد في mai فزادوا حرف الهاء الساكنة لتبيين المد، وهو ما أعطى شكل مايه ويونيه.
والملاحظ أن اقتباس أسماء الشهور لم يتجاوز اللغتين الإسبانية والفرنسية، حيث لا تظهر أية آثار لاقتباس من الإنجليزية أو الإيطالية أو البرتغالية، إذا اقتصرنا على لغات الدول المتعاملة مع المغرب في القرن التاسع عشر.
كيف نكتب اليوم ، وكيف كتبنا قبل اليوم ، أسماء الشهور الميلادية؟
ننطلق لمعالجة المسألة من الكشف التالي:
يناير ـ فبراير ـ مارس ـ أبريل ـ مايو ـ يونيو ـ يوليو ـ أغسطس ـ شتنبر ـ أكتوبر ـ نونبر ـ دجنبر[2] .
يمكن تفصيل هذا الكشف إلى المجموعتين التاليتين:
ـ تسميات مجمع عليها، هي: يناير، مارس، أبريل، أكتوبر . يكتبها الجميع بنفس الكيفية.
ـ تسميات خلافية : فبراير/ يبراير ـ مايو/ مايه/ماي ـ يونيو/ يونيه ـ يوليو/ يوليه/ يوليوز ـ أغسطس/ غشت ـ شتنبر/ سبتمبر ـ نونبر/ نوفمبر ـ دجنبر/دسمبر/ ديسمبر.
حاولنا ـ في مرحلة أولى ـ الوقوف على الكيفية التي كتب بها متأخرو المؤرخين المغاربة الأقدمين، مقتصرين على أهل القرن التاسع عشر منهم فما بعده.اعتبارا لكون الموضوع لم يطرح إلا بعد الاحتكاك بالغرب والاضطرار إلى التعامل بتقويمه وشهوره. ورجعنا إلى كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى لأحمد بن خالد الناصري، فلم نجد فيه أثرا لاسم شهر ميلادي. أما عبد الرحمن ابن زيدان فقد استعمل في مؤلفه العلائق السياسية للدولة العلوية [3] الأشكال التالية : ابراير، يبراير ـ ماي ، مايو ـ جوان ، ينيه ، يونيه ـ جوليت ـ شتنبر ، سبتنمبر ـ نونبر ، نوفنبر ـ ديسمبر، دسمبر ـ دسامبر ، دسانبر ، دجنبر ، دسمبر.
ونذهب إلى أن ليس لابن زيدان أية مسؤولية في عدم توحيد أسماء الشهور، حيث إن مخطوط العلائق السياسية مسودة لم يتح للمؤرخ النقيب الوقت لمراجعتها وتخريجها، وأن الأشكال المستعملة من ابتكار نساخ وثائق التأليف. وهي تعطي ـ على كل حال ـ فكرة عن تعدد الأشكال وتنوع الاجتهاد في كيفية التعبير عن الصوت اللاتيني بالحرف العربي.
عمدناـ بعد ذلك ـ إلى أصل ظننا أنه سيتوخى التعريب الصحيح والتوحيد، بحكم مرجعيته القانونية، هو الجريدة الرسمية التي صدر العدد الأول منها سنة 1913.وبعد استقرائنا لمجموع الأعداد الصادرة منها إلى تاريخه، ألفيناها تستعمل الأشكال التالية:
ينايرـ يبراير/ فبراير ـ مارس ـ أبريل ـ مايو/ ماي ـ جوان/ يونيه ـ يوليو/ يوليوزـ غشت/أغشت/أغسطس ـ سبثمبر/سبتمبر/ شتنبرـ أكتوبرـ نوفمبر/ نونبر، دسمبر/ دجنبر/ ديسمبر.
أما دورية الوثائق الصادرة عن مديرية الوثائق الملكية فلم تهتم في الأعداد الأولى بإيراد المقابل الميلادي لما تقدمه من تواريخ هجرية. وابتداء من المجموعة الرابعة استعملت الدورية الأشكال التالية : يناير ـ يبراير/فبرايرـ مارس ـ أبريل ـ ماي/ مايو/ مايه ـ يونيو / يونيه / جوان ـ يوليوز ـ غشت ـ شتنبر ـ أكتوبر ـ نونبر ـ دجنبر.
ثم رجعنا إلى نشرة انبعاث أمة توخيا لنفس المقصود ، فلاحظنا استعمالها التسميات التالية: ففي الأعداد الأولى ظل التردد في اختيار رسم ثابت، حيث استعملت بالنسبة للشهر الثاني شكل يبراير وفبراير ، وبالنسبة للشهر الخامس شكل مايو وماي ، واحترمت باستمرار أشكال يناير، مارس ، أبريل، يوليوز، غشت، يوليوز، شتنبر، أكتوبر ، نونبر، دجنبر، إلى العدد 54/1 ،حيث حافظت إلى آخر عدد على أشكال فبراير، ماي، يونيو .
أما موقع الجمعية المغربية للبحث التاريخي، في خدمة مطابقة التاريخين الهجري والميلادي، فيستعمل الأشكال التالية : يناير ـ فبراير ـ مارس ـ أبريل ـ مايو ـ يونيو ـ أغسطس ـ سبتمبر ـ أكتوبر ـ نوفمبر ـ ديسيمبر.
ويستعمل موقع المملكة المغربيةـ رئيس الحكومة ، أسماء: فبراير ، ماي ، يونيو ، نونبر ، شتنبر.
سعيا إلى استقصاء معظم المظان، عدنا إلى يومية تعد من أقدم التقاويم المغربية، هي اليومية العصرية بوعياد ،فوجدناها تستعمل الأشكال التالية:يناير، فبراير ، مارس، أبريل، ماي، يونيو، يوليوز،غشت، شتنبر،أكتوبر،نونبر، دجنبر.
ويظهر من استعراض هذه النماذج ، الرسمي منها وغير الرسمي ، أنه لا يوجد اتفاق على كيفية رسم أسماء الشهور الميلادية .وأن عدم التوحيد هذا قد يؤدي إلى ما يقع في بلاد أخرى تستعمل أسماء مثل جانفيي وجويلية…
هذه دعوة إلى أن تتبنى الجمعية المغربية للبحث التاريخي طريقة متفقا عليها في كتابة أسماء الشهور الميلادية، وأقترح أن يكن ذلك على الشكل التالي : يناير ـ فبرايرـ مارس ـ أبريل ـ مايه ـ يونيه ـ يوليوز ـ غشت ـ شتنبر ـ أكتوبر ـ نونبر ـ دجنبر .
[1] يُنظر كتيبنا : معجم المصطلحات الإدارية والألفاظ العامية والأجنبية الواردة في بعض الوثائق والمؤلفات المغربية، المطبعة الملكية ، الرباط، 1428 / 2007.
[2] المنوني، محمد. المصادر العربية لتاريخ المغرب، الفترة المعاصرة ، 1790 ـ 1930 . منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، سلسلة الدراسات البيبليوغرافية رقم 1 ، 1410 / 1989. ص 257.
[3] ابن زيدان، عبد الرحمن، العلائق السياسية للدولة العلوية، تقديم وتحقيق عبد اللطيف الشاذلي، المطبعة الملكية، الرباط، 1420/1999. ص 277
أشكر الباحث والمؤرخ الأستاذ عبد اللطيف الشادلي على إثارة موضوع الاختلاف في كتابة الشهور الميلادية ، وهو اختلاف من بين عشرات الاختلافات التي نجدها لدى الباحثين ، فما إن تبدأ في تصفح بعض الكتب المنشورة أو الأطروحات المرقونة حتى تتضح مساحة هذا الاختلاف بدءا من طريقة كتابة الإحالة ، مرورا بطريقة تصنيف الببليوغرافيا ، ووصولا إلى رموز التحقيق، وهكذا دواليك… ولعلّ ذروة الاختلافات تتجسّد في التحول المفاجئ الذي نلمسه لدى الباحثين المتخصصين في العصر الوسيط مع نظرائهم في العصر الحديث والمعاصر، فما إن نصل إلى عتبة التاريخ الحديث (ق16م) حتى يتحول استعمال الوحدة الزمنية من التقويم الهجري إلى التقويم الميلادي ، وهوا تحول ينبغي الوقوف عنده والتفكير فيه مستقبلا أيضا ، لأنه يكسّر رتابة الانتقال الزمني ، ويشوش على تتبع مسار التأريخ .
وفي هذا السياق فإن ما طرحه الأستاذ الشاذلي ينطبق بصفة خاصة على التاريخ الحديث والمعاصر، وبنسبة كبيرة أيضا على التاريخ القديم. أما بالنسبة للتاريخ الوسيط فإن المؤرخين الوسيطيين استعملوا الشهور الهجرية ( محرم ، صفر ، ربيع الأول ، جمادى الأولى الخ…) وهذا لا يطرح إشكالا ، اللهم إلا إذا أراد الباحث أن يوافق الشهور الميلادية بالشهور الهجرية. ومع ذلك فإن هذا لا يعفي الباحثين في العصر الوسيط كليا من توابع الإشكالية ، وهنا لا أشاطر الرأي الأستاذ الشادلي بأن المغاربة لم يستعملوا الشهور الميلادية إلا بعد احتكاكهم بالأوروبين خلال القرن 19م ، إذ نجد بعض المؤرخين في العصر الوسيط الذين استخدموا الشهور ” العجمية ” بتعبير لغة ذلك العصر إلى جانب الشهور الهجرية ، ومنهم ابن ابي زرع الذي أرخ لمعركة الزلاقة ب23 أكتوبر 1086 م . وقد ورد ذلك في نص الرسالة التي بعثها يوسف بن تاشفين إلى أهل العدوة بعد الانتصار المؤزر الذي حققه في هذه الوقعة . كما أن كتب الزراعة والتقاويم الفلاحية التي انتشرت في المغرب والأندلس خلال العصر الوسيط استعملت أيضا الشهور الميلادية من يناير إلى دسمبر، وما يناسب كل شهر من زراعات وأغذية. ومن جهتها أوردت بعض المصنفات التراثية المغربية- الأندلسية أسماء احتفالات مرتبطة بالشهور الميلادية من قبيل “عيد ينير” ، و ” خميس أبريل ” وغيرها من الشهور التي نجد صداها أيضا في كتب الجغرافيا وفي بعض النصوص النوازلية و كتب الحوادث والبدع ، وكلها معطيات تجعل الباحثين في العصر الوسيط معنيين أيضا بالإشكالية التي طرحها الأستاذ الشاذلي.
بيد ان السؤال الذي يثار يتجلى في المعايير العلمية التي بنى عليها الأستاذ المنوه به صيغة الأسماء التي اقترحها لتكون موحدة ، فهل توجد في الأسماء الأخرى القريبة منها أو التي تختلف عنها في بعض الحروف المكتوبة أو المنطوقة بعض الشوائب التي جعلته يؤثر اختيار الأسماء التي اقترحها ، أم هو مجرد اختيار من أجل الاتفاق على صيغة موحدة؟. وماذا عن التوحيد مع زملائنا الباحثين في المشرق الذين يستعملون أسماء أخرى ككانون الأول والثاني ، وآذار ونيسان وغيرها.
وأحسب أن ما يجب أن نضعه أيضا كأرضية في النقاش حول هذه المسألة ، أن التاريخ الميلادي نفسه- إذا جاز توظيف الدقة التي يتوخاها المؤرخ – لا يزال في معترك الخلاف بين الدوائر المسيحية حول يوم ميلاد السيد المسيح ، فما بالك بالشهر الذي وقع فيه هذا الحدث التاريخي . وقد توصل الباحثون الفلكيون المتخصصون إلى أن التقويم الميلادي حتى لا نقول الروماني أبعد ما يكون عن ميلاد السيد المسيح شكلا ومضمونا، ولعلّ ما عرفه التقويم الميلادي من تقلبات ومراجعات كما ورد في المقال نفسه يعكس صحة هذا القول.
ويتولد عن الملاحظة السابقة تساؤل ذو صلة بالهوية والانتماء الحضاري : فمن المتعارف عليه أن الشعوب تستمد تاريخها وتقويمها من بيئتها ومعتقداتها وثقافتها ومكوناتها الحضارية . وإذا كنا لا ننكر كونية التقويم الميلادي وضمنه الشهور ودوره في مواكبة سيرورة التاريخ البشري، فإن تجربة التاريخ الإسلامي ارتبطت بظهور التأريخ بالهجرة النبوية وبالشهور القمرية التي تمتلك خصوصية زمنية متميزة. وآية ذلك أن الشهور القمرية هي شهور طبيعية لم تتدخل فيها أيادي التحريف أو التعديل البشري كما وقع في الشهور الشمسية الميلادية ، فهي أقرب إلى الدقة من الشهور الميلادية القائمة على نظام منازل الشمس في التأريخ ، وليس في أسمائها أي اختلاف في النطق أو الكتابة. ومع ذلك يتم إقصائها في التاريخ المغربي الحديث والمعاصر. وحتى مصادر التاريخ الحديث كانت تؤرخ بالشهور الهجرية ، ولم تستعمل الشهور المسيحية إلا اضطرارا كما جاء في المقال. فإذا كانت القاعدة تفتضي أن المصطلح يتولد من المصدر، فلماذا نفرض نحن كباحثين مصطلحات اقتبسناها من التقويم المسيحي لنستعملها في أبحاثنا؟ هذا مجرد تساؤل يرتبط بإشكالية استعمال المصطلح ذاته قبل التفكير في توحيده. وشكرا لأخينا البحاثة المؤرخ عبد اللطيف الشاذلي على طرحه الذي أوحى لي بهذه الأفكار ، والتي تظل هي الأخرى قابلة للنقاش والحوار.
في تفاعل مع ما أثاره الأستاذ عبد اللطيف الشاذلي في مقاله ، أود أن أشير إلى أن المصادر المعروفة عن تاريخ المغرب الوسيط ،لم تستعمل-فيما أعلم- التقويم الميلادي سوى مرة واحدة،وقد ورد ذلك لدى ابن الأحمر في كتابه النفحة النسرينية واللمحة المرينية ( تحقيق عدنان محمد آل طعمة، دار سعد الدين،دمشق،1992،ص 64).أما المناسبة فهي مولد السلطان المريني أبي العباس الملقب بالمستنصر بالله ،فقد كتب :” مولده بغرناطة في حسن الساعة الزكية في يوم ست وخمسين وسبع مائة ،ووافقه من تأويل العجمي اليوم الثالث لشهر استنبر من سنة ألف وستمائة وسبعة وستين الطالع الكوكب على طول غرناطة وعرضها حسبما ثبت، والتاريخ المستوي أبو يحي ذنو ركه يط مط الدائر مكن الفلك له نزفا علم ذلك…”