الأربعاء , نوفمبر 5 2025
أحدث الإضافات
أنت هنا: الرئيسية / أرشيف مواد الموقع / ملف خاص: الأعضاء المؤسسون يتذكرون جوانب من تاريخ الجمعية المغربية للبحث التاريخي

ملف خاص: الأعضاء المؤسسون يتذكرون جوانب من تاريخ الجمعية المغربية للبحث التاريخي

في هذه الحلقة يستحضر الأستاذ عبد اللطيف الشاذلي ذكرياته عن تأسيس الجمعية المغربية للبحث التاريخي.

تقديم : توصلنا من الأستاذ عبد الطيف الشاذلي بمقال يوضح فيه السياق الذي تأسست فيه الجمعية وبداياتها الأولى، مشاركة منه في إغناء ما نتوفر عليه من معلومات وتكملته. ونحن إذ نشكر أستاذنا الفاضل على مبادرته القيمة، نهيب بباقي الأعضاء المؤسسين أن يدلوا بدلوهم، ويمدونا بما يمكن من التعريف بتاريخ الجمعية وأهم الأدوار التي اضطلعوا بها للحفاظ عليها وتطوير أدائها، وهو واجب في عاتقهم نحو الأجيال الجديدة من المؤرخين التي لم يتح لها التعرف عن قرب على هؤلاء الأعضاء والاطلاع على ما أسدوه من خدمات جليلة للجمعية.

وقد سمحنا لأنفسنا بتذييل مقال أستاذنا بصورتين لمحضرين من المحاضر الأولى التي نتوفر عليها في أرشيف الجمعية الذي اعتمدناه في إعداد نبذة قصيرة عن تاريخها في الدليل الذي أصدرناه في السنة الماضية. وأملنا أن نتلقى المزيد من المعلومات والذكريات التي قد تساهم دون شك في كتابة تاريخ هذه الجمعية العتيدة. وفيما يلي نص المقال:

ذكرياتي

مع الجمعية المغربية للبحث التاريخي

الأستاذ عبد اللطيف الشاذلي

التحقتُ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط في شهر نونبر من سنة 1972 ، بعد اجتياز مباراة توظيف مساعدين. وفي هذه الفترة صدر قرار حكومي شمل الطلبة والأساتذة، فتم إغلاق الجامعة بالنسبة لطلبة السلك الأول، كما تم تحويل عدد من أساتذة كلية الآداب إلى ” المركز الجامعي للبحث العلمي “. وتم توظيف عدد من الأساتذة من مصر وسوريا والسودان ، نعتهم بعض الزملاء ب” التجريدة” إحالة على تجريدة الجيش المغربي التي شاركت في حرب أكتوبر عام 1973 .

وعلى مستوى آخر، تم تجميد نشاط  الشعب، واتخذ عميد المؤسسة مستشارين من كل تخصص، وتم إعداد برامج ومناهج على وجه السرعة والاستعجال، كرست تهميش ” المساعدين”  الذين ناب كل واحد منهم ساعة تدريس واحدة في الأسبوع، يؤدون خلالها شيئا سمي ” تطبيقات”. ولا زلت أذكر أن أحد الزملاء المصريين، بعد أن انتهى أول اجتماع  لأساتذة التاريخ ، سألني : ” إنتو معاكو بكالوريوس؟”  كما لا زلت أذكر أن السيد عميد المؤسسة استدعانا ـ معشر المساعدين من مختلف التخصصات ـ للقاء انعقد في قاعة الاجتماعات التي كانت على يسار الداخل من الباب الرسمي للكلية ، دعانا فيه إلى أن نحضر دروس السنة الرابعة ” لاستكمال تكويننا”.

ولاستكمال الصورة التي كانت عليها كلية الآداب بالرباط أشير إلى أن عمادة الكلية ألزمت الأساتذة بتوقيع سجل الدخول في كناش كان موضوعا في كوة في مكتب الكاتب العام للكلية ، فكنا نصل إلى الكلية كل صباح ، فنوقع ورقة الحضور، ثم نقف في البهو نتبادل أطراف الحديث ، وهو ما لم يرُقْ للعمادة، فألزمتنا بأن يلتحق كل واحد منا بقاعة من قاعات التدريس ، يظل بها وحده طيلة فترة مداومته. وتوصل كل من لم يلتزم بالتوقيع بإنذار هذه صورة منه .

Ann 03

في هذه الظروف  المتميزة بانعدام إطار يجمع الأساتذة ، خطرت لبعض الزملاء فكرة تأسيس جهاز ينشطون في إطاره. ولقد انبرى لذلك أستاذي المرحوم محمد زنيبر الذي كان له فضل الريادة والمبادرة والتتبع والرعاية. لا أذكر بالضبط تاريخ بداية الفكرة، وإن كنت أرجح أنها تعود إلى أواخر سنة 1974 .

اتخذ هذا الجهاز اسم ” الجمعية المغربية للبحث التاريخي ” وضم الزملاء [1]: أحمد  التوفيق ـ محمد زنيبر  ـ مصطفى الشابي ـ عبد اللطيف الشاذلي ـ علي صدقي ـ عبد الله العروي ـ حليمة فرحات ـ محمد القبلي ـ العربي مزين .

كان لي ـ في هذا الإبان ـ آلة كتابة صغيرة محمولة ، استعملتها لرقن القانون الأساسي للجمعية وكذا الملف الإداري المشتمل على أسماء وحيثيات ومهام أعضاء مكتبها، وهي الوثائق اللازم إيداعها لدى السلطات المختصة للحصول على رخصة تأسيس الجمعية. وقد سهر الأستاذ محمد زنيبر على إنجاز كل الإجراءات  الإدارية ،وحصل على وصل إيداع طلب الترخيص بإنشاء الجمعية.

كانت اجتماعات الجمعية تعقد بمنزل الأستاذ زنيبر، كما استضاف بعض الأعضاء هذه الاجتماعات، كنت من بينهم.

كان من بين أهم ما اتخذته الجمعية من قرارات هو التعريف بوجودها من خلال تنظيم أنشطة عمومية. وكان من بين أهم القضايا التي شغلت الرأي العام ومختلف الأوساط السياسية والثقافية هي قضية الصحراء المغربية. وهكذا نظمت الجمعية محاضرة ألقاها الأستاذ عبد الله العروي  بقاعة وزارة الثقافة في موضوع العملة المغربية المتداولة عبر التاريخ في الأقاليم الصحراوية كدليل على مغربية تلك الأقاليم. كما كان لي شرف المساهمة في أنشطة الجمعية بإلقاء محاضرة في المدرج الكبير بكلية الآداب بالرباط في موضوع الأدوار التي يمكن أن يلعبها التصوف في الحياة الاجتماعية. وقد عرفت هذه المحاضرة سجالات حادة بين تيارين، كان سبب الخلاف بينهما ظروف اغتيال عمر بنجلون ( 18 يونيه 1975).

كما نجح الأستاذ محمد زنيبر في إعطاء الجمعية بعدا دوليا بتسجيل عضويتها في اتحاد المؤرخين العرب،وتمكن ـ بفضل مزاياه العديدة ـ من عقد مؤتمر هذا الاتحاد بالمغرب، في تاريخ لا أذكره.حضره ممثلو اتحادات المؤرخين من كل الدول العربية، وعلى رأسهم رئيس اتحاد المؤرخين العراقيين، الذي كان يرأس اتحاد المؤرخين العرب،ولم يكن يبخل بالدعم المادي السخي. وترأس جلسة الافتتاح وزير الثقافة  الحاج مَحمد باحنيني الذي ألقى خطابا أبهر الحاضرين بجمال أسلوبه ومتانة لغته مما كان معلوما له من بلاغة راقية. وجرى حفل الافتتاح في قاعة تزخر بمختلف مظاهر فن البناء والزخرفة المغربيين، كانت توجد على الضفة اليسرى لواد بوركراك، غير بعيد عن قصبة الأوداية ، لم يعد لها اليوم وجود.

  وتجدر الإشارة إلى أن المغرب عرف تحولات مهمة سنة 1975 ، منها الإعلان عن نهاية حالة الاستثناء. وقد شهدت الجامعة المغربية في نفس السنة تطورات مهمة، حيث صدر الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1 .75 . 102 ، بتاريخ 13 صفر 1395 (25 فبراير 1975) ، يتعلق بتنظيم الجامعات، يعتبر تحولا مفصليا في حياة الجامعة المغربية، سواء على مستوى الهيكلة أو على مستوى إدخال عنصر الانتخابات في مجال تعيين أعضاء مجلس الجامعة أو مجلس المؤسسة  أو رئاسة الشعب .

و صدر بعد ذلك عدد من القرارات الوزارية، منها قرار وزير التعليم العالي رقم 678. 76 بتاريخ 5 ذي الحجة 1395 /(8 دجنبر 1975 ) بتحديد  اختصاصات وكيفية تسيير فروع التعليم والبحث ، وقرار وزير التعليم العالي رقم 1046 . 76 بتاريخ 15 شعبان 1396 (12  غشت 1976 ) بشأن كيفيات انتخاب ممثلي رجال التعليم الباحثين في مجلس الجامعة ومجلس المؤسسة وكذا رؤساء الفروع.

وهكذا تم إحياء نشاط الشعب في الكلية، وتم انتخاب الأستاذ محمد زنيبر رئيسا لشعبة التاريخ، وهي المهمة التي كان قد تكلف بها قبل أن يجمد نشاط الشعب. ورافق هذا الإجراء تخويل الشعب اختصاص تحديد محتوى المناهج الدراسية.

حددت هذه المعطيات الجديدة مسار شعبة التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، وغدت الشعبة خلية عمل دائم، حيث كان على الأساتذة تحديد مضامين الدروس التي اكتفت النصوص القانونية بذكر عناوينها. كما كان عليهم تغطية متطلبات التكوين لأعداد متزايدة من الطلبة، خصوصا بعد أن قرروا تجاوز التهميش الذي تعرضوا له لعدة سنوات نتيجة هيمنة الزملاء المشارقة على الدروس الأساسية .كما كان على الأساتذة المساهمة في الأنشطة العلمية والثقافية التي شرعت الكلية في تنظيمها، مثل الندوات الدولية ونشر مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية.

لا بد من الإشارة إلى ظهور عناصر جديدة كان لها أثرها على سير الجمعية، من بينها تأسيس الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، بمبادرة من الأستاذ محمد حجي. وقد ساهم عدد من الزملاء ـ من أعضاء الشعبة وأعضاء الجمعية في نفس الوقت ـ في نشاط هذه الجمعية ، وشاركوا في أعمال التحقيق والترجمة والتأليف، التي أغنت المكتبة التاريخية المغربية بإنتاج غني غزير، وفي إعداد مجلة الكتاب المغربي التي اعتنت بالتعريف بالإنتاج الفكري المغربي في مختلف ميادين المعرفة. كما انضم إلى الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر عدد من الزملاء، أذكر منهم الأساتذة محمد بنشريفة ومحمد عزيز الحبابي وقاسم الزهيري … أسفر أحد الاجتماعات المنعقدة بمقر الخزانة العلمية الصبيحية بسلا عن الاتفاق على إصدار مجلة جديدة تحمل عنوان أبعاد فكرية، ساهمنا جميعا في تمويلها وصدر منها عدد يتيم .

ومن بين مستجدات هذه المرحلة تحمُّل عدد من أعضاء الجمعية المغربية للبحث التاريخي لمسؤوليات إدارية، أذكر منهم تعيين الأستاذ محمد القبلي عميدا لكلية الآداب بالرباط،وقيام الأستاذ أحمد التوفيق بأعمال نيابة العمادة ، وتعيين الأستاذة حليمة فرحات محافظة لمكتبة الكلية.كما تم تعيين الأستاذ مصطفى الشابي نائبا لعميد كلية الآداب بالرباط عهد الأستاذ محمد حجي، ثم عميدا لكلية الآداب بوجدة.كما ساعدتُ الأستاذة حليمة فرحات في إدارة مكتبة الكلية واعتنيتُ بإحداث مصلحة النشر، ثم انتخبتُ رئيسا لشعبة التاريخ قبل أن تسند لي عمادة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بعين الشق بالدار البيضاء سنة 1981 .

وقد انعكست الوضعية الجديدة لشعبة التاريخ والأساتذة العاملين بها على نشاط الجمعية المغربية للبحث التاريخي، ونجم عن مجموع هذه الانشغالات العلمية والتربوية والإدارية لغالبية أعضاء الجمعية خفوت في نشاطها إن لم نقل خسوفا في إشعاعها، حيث لا تحتفظ ذاكرتي بأي نشاط للجمعية خلال أواخر السبعينات ،ولا في السنوات الأولى من عقد الثمانينات.

في سنة من سنوات الثمانين من القرن الماضي، عقدت الجمعية جمعها العام بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، في القاعة التي كانت تعرف بقاعة الأساتذة، وهي الواقعة اليوم على يمين الداخل من المدخل المؤدي إلى مكتبة الكلية، غير بعيد عن قاعتي محمد حجي ومحمد المنوني. ولم يكن عدد الحاضرين يتعدى عدد أصابع اليدين. وقد دعوتُ إلى فتح باب الالتحاق بالجمعية  أمام الأساتذة الباحثين الشباب، خصوصا بعد أن اغتنت شعبة التاريخ بكلية الآداب بالرباط بوصول الجيل الثالث من الزملاء ،وبعد أن عرفت شعب التاريخ في كليات الآداب انتشارا واضحا ووصلت إلى الدار البيضاء والمحمدية والجديدة ومكناس وتطوان، بالإضافة إلى كليات الرباط وفاس ووجدة ومراكش . وألححت على أن فتح الباب أمام منخرطين جدد من شأنه أن يطور الجمعية التــــي غدت ” ناديا مغلقا”. وقد أكد أحد الزملاء أن من شأن فتح الباب أن يصل إلى الجمعية بعض من لا رغبة لنا فيه .

شغلتني عن مواصلة العمل في إطار الجمعية مشاغل إدارية كثيرة، لم تمنعني من مواصلة تتبع أنشطتها وحضور بعض تظاهراتها. 

إن من أهم مكتسبات الجمعية ومن مظاهر إشعاعها وقوتها هو انفتاحها على جميع الباحثين في التاريخ.وأرى أن من الواجب التنويه بكل الزملاء الذين تكفلوا  بتسيير الجمعية خلال العقود الثلاثة الأخيرة، والذين ضمنوا لها الاستمرار في العمل وتطوير الأنشطة وتنويعها وتوسيع إشعاعها واعتماد وسائل التواصل الحديثة.

وأستغل هذه المناسبة لأدعو الزملاء المؤسسين إلى مراجعة هذه الإشارات وتصحيح ما قد يكون قد شابها من تحوير، لاستكمال معطيات تأسيس الجمعية ومراحل تطورها.

ملحق أول

محضر الاجتماع الذي انعقد بمدينة سلا بمنزل الأستاذ محمد زنيبر، بتاريخ 25 يونيو 1975 وهو بخط الأستاذ عبد اللطيف الشاذلي، ومنه نتبين أسماء أعضاء الجمعية وهم، محمد زنيبر وابراهيم بوطالب وحليمة فرحات ومصطفى الشابي وأحمد التوفيق وعلي صدقي والعربي مزين وعبد اللطيف الشاذلي وتغيب الأساتذة عبد الله العروي ومحمد القبلي.

Ann 01

ملحق ثان: محضر آخر بخط الأستاذ محمد زنيبر، ويتضمن أسماء الأساتذة حليمة فرحات وجرمان عياش وعلي أومليل إضافة إلى الأسماء السالفة الذكر في المحضر السابق.

Ann 02

ملحق ثالث: محضر اجتماع عادي للمكتب  07 يوليوز 1975.

Ann 04


[1]  نقدم الأسماء مرتبة حسب الحرف الأول من الاسم العائلي .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .